المسجد والدور المنشود
خالد مفتاح

العبادات مرتبطة بوعاء الزمان أو حيز المكان أو كليهما معاً. والأماكن في الإسلام لها وظائف عدة: دينية من حيث (الأصل)، واجتماعية ونفسية واقتصادية وإدارية وقيادية. كدور وظيفي (تابع).
ومن تلك البقاع التي هي أحب إلى الله المساجد، التي كان لها دور ملموس في حقبة الريادة الحضارية للمسلمين. الذي جعله الله مثابة للناس وآمناً ومهوى للطاعة والتنسك ومؤسسة للريادة المجتمعية التي تطلق المبادرات ومشاريع الاستدامة للأمة.
وقد لعب المسجد تاريخياً منذ الهجرة أدواراً متنوعة، فمنذ تأسيس المسجد النبوي كأول مشروع للمرحلة الجديدة المدنية كان ديواناً للدولة والحكم؛ عبره تمارس جميع مهام ووظائف الدولة من اصدار التعليمات والأوامر في السلم والحرب، وبيتاً للقضاء ونزع الخصومة ومركزاً اقتصادياً في تحصيل الزكاة والصدقات والغنائم، ومنارة للتعلم ونشر العلم والدعوة و وصومعة للطاعة والخلوة والعبادة. ومحضناً للتربية وبيئة للإصلاح. ونادياً اجتماعياً حيث كان مأوى لأهل الصفة وابن السبيل ومكاناً لإقامة الأفراح والاتراح وكان تستقبل فيه الوفود حتى من غير أهل الإسلام كما حدث مع وفد ثقيف ووفد نصارى نجران، بل كان موطناً للترفيه كما حدث في الأحباش في لعبهم بالحراب والرماح في المسجد. وعبر العصور اتخذ مركزاً للمدينة والقرى حيث نجد أن الحاضرة أو البادية ومرافقها من أسواق وحمامات وحدائق ومدارس وبيوت تقام حول المساجد فهو المركز الحضاري للعمران.
وقد نرصد دوراً للمسجد في أوقات الأزمات وحالات القوة القاهرة الطبيعية أو البشرية حيث يصبح المسجد النواة لدفة الإدارة والقيادة ومن خلاله يتم معالجة الأزمة واستقبال المساعدات وإيواء المعدومين أو المصابين وخير مثال ما حدث في أثناء الربيع العربي أو الزلازل الطبيعية أو الفيضانات، إلا أن هذا الدور يعتبر استثنائياً.
والسؤال هل الدور الوظيفي المنشود للمسجد عبر الحضارة الإسلامية ما زال قائماً؟
في مقالة بحثية استكشافية أعدها مركز ابن خلدون بجامعة قطر بعنوان: «تصورات القطريين للدين. من مصادر التصورات الدينية للقطريين .. المسجد وبرامج وزارة الأوقاف بنسبة (48.2 %)» من افراد شريحة العينة البحثية، ويلحظ تأخر دور المسجد عن باقي المؤسسات الأخرى كالأسرة والمدرسة والمشايخ الدعاة. وأوصت الدراسة الجهات ذات العلاقة بأن تعزز دور المساجد وبرامج وزارة الأوقاف بما يحقق فعالية هذه المؤسسة في تشكيل تصورات القطريين للدين وبخاصة أن المسجد يشكل محوراً في الوعي المسلم والحياة الإسلامية.
إن تفعيل أدوار المساجد الوظيفية مسؤولية على عاتقنا جميعاً، تتعاضد فيها الجهات المسؤولة مع الجهود المجتمعية، وكلما ارتقى دور المسجد ارتقت الأمة في سلم الحضارة.
@maffatih
اقرأ ايضا

أنثروبولوجيا الأزمات

الفريضة الغائبة

موقع البحث العلمي في العملية التعليمية

فقه المصطلح

التكليف الإداري
