أمل عبد الملك.. قصة كاتبة تعيش «المرحلة الذهبية» بعد التقاعد
حنان غربي

من المجلة والإذاعة انطلقت إلى دنيا الكتابة الإعلام
تعودتُ على دخول أروقة التلفزيون بسبب عمل والدي.. وقدمت عدة برامج للأطفال
أعتز بتجربتي في «لكم القرار» البرنامج المحلي الأول أوائل الألفية
اختارت الإعلام في زمن نسبة السيدات في هذا المجال قليلة. تربت في كنف أسرة داعمة وتعددت محطاتها في الحياة. تنقلت بين الصحافة المكتوبة والمسموعة وظهرت مبكرا على شاشات التلفزيون لتقرر أخيرا التقاعد من العمل والتفرغ للكتابة وتحقيق بعض الأهداف، إذ انها تعيش حاليا «المرحلة الذهبية بعد التقاعد» حسب تعبيرها. «العرب» التقت الإعلامية أمل عبد الملك، وحاورتها حول مشوارها في الصحافة والعديد من الأمور الأخرى.. وإلى نص الحوار:
بداية.. متى وكيف بدأتِ تميلين إلى الإعلام؟
بدايتي كانت مع الإذاعة المدرسية والطابور الصباحي، فكنتُ أعدُ وأقدم مجموعة من الاخبار والفقرات في الطابور الصباحي في المرحلة الابتدائية، كما كنتُ أشارك في مجلة الحائط بانتقاء بعض الأخبار والمعلومات مع المعلمات وكنتُ اساهم بكتابة بعض المواضيع، كما كنتُ أحب حصة الإنشاء جداً لانها تُحرك خيالي وتُتيح المجال لي للتعبير عن أفكاري واختيار المفردات، لذلك كنتُ حتى في امتحانات اللغة العربية أبدأ بالإنشاء أو التعبير ومن ثم باقي الفقرات، وكنتُ كلما تدرجتُ في المرحلة الدراسية أهتم باللغة العربية وبكل ما له علاقة بالكتابة، وبحكم وجود والدي في تلفزيون قطر منذ السبعينيات تعودتُ على دخول أروقة التلفزيون وعشت أجواء تصوير البرامج وفعلاً قدمت عدة برامج للأطفال وكانت تجارب رائعة حفزتني أكثر على دخول المجال الاعلامي عندما كبرت.
كما كنت أهوى القراءة كثيراً وقرأت كثيرا من الكتب من مكتبة والدي الثرية بالكتب والقصص لمعظم الكتّاب العرب والعالميين، ناهيك عن الكتب التخصصية في الاعلام وغيره.
وظيفة في «الجزيرة»
متى كان أول اهتمامك بالمجال ؟
منذ وقت الدراسة وأنا أهوى المجال الاعلامي وأبحث عن المشاركات فيه، وعندما فتحت قناة الجزيرة ابوابها في قطر للتوظيف كنتُ مازلت طالبة جامعية فتقدمت لوظيفة فيها ومنذ 1996 وأنا في العمل الإعلامي الذي تنوع بين الصحافة والتلفزيون والاذاعة، فلم أكتف بوسيلة إعلامية واحدة وجربت كل الوسائل، ووجدت نفسي فيهم جميعاً فكان لميكروفون الإذاعة سحر، ولإنتاج البرامج تحد وإصرار، وفي الكتابة تفريغ للأفكار والتعبير عن هموم الشارع.
من شجعك على هذا التوجه ؟
بصراحة العائلة كانت مُشجعة لي، الوالد بحكم عمله كإعلامي شجعني على الكتابة والعمل التلفزيوني والاذاعي، كذلك الوالدة حريصة على قراءة مقالاتي ومناقشتي فيها وهي متابعة لكل الأنشطة، وحضورها ان استطاعت وأخي أيضاً كان مشجعًا وداعماً لكل نشاطاتي، بالإضافة إلى بعض الاقارب والاصدقاء الذين دعموني ومازالوا يدعموني.
فرحة أول مقال
ماهي اول ذكرياتك او خطواتك في مجال الاعلام.. تفاصيل أول عمل قمت به ؟
في كل مجال كان هناك حماس وتحد بيني وبين نفسي، وربما من ذكرياتي الجميلة اللحظة الأولى التي رأيت فيها الإضاءة الحمراء في استديو إذاعة صوت الخليج عام 2002 والتي تشير الى أننا على بث الهواء المباشر وكنت أقدمُ برنامجاً منوعاً لأول مرة وبه اتصالات مع الجمهور، فكانت دقات قلبي تتسارع تلك اللحظة وكان شعوراً جميلاً مازلت أذكر فرحته بداخلي وأنا أتلقى الاتصالات والمباركات لظهوري أول مرة على الهواء وكلمات التشجيع من المستمعين ومن الأهل والأصدقاء وزملاء العمل، ومن بعدها هويت ميكروفون الإذاعة الذي يحتاج إلى تركيز أكثر من التلفزيون لحساسية الصوت ولأهمية توفر مهارات إيصال الإحساس والمعلومات والمشاعر من خلال الصوت فقط الذي يصل للمستمع دون أن يشاهد المذيع وكيف أخلق العلاقة الطيبة وأترك الانطباع الإيجابي عني لدى المستمع وأجعله ينتظر برامجي فهذا تحدياً الحمد لله نجحت فيه في تلك الحقبة من حياتي.
هذا بالإضافة إلى شعور الفرح بأول مقال في عام 2003 وأول إعداد برنامج بُث على قناة الجزيرة للأطفال في 2005 وتوالى الإنتاج في كل الوسائل الإعلامية وفي كل مرحلة خلال مسيرة 25عاماً كانت لها نجاحات وذكريات سواء في الإذاعة او التلفزيون.
أمل والكتابة.. اذا ممكن تخبرينا عن كتاباتك؟
الكتابة بالنسبة لي تفريغ للطاقة وتعبير عن فوضى الافكار ومشاركتها مع القراء والرأي العام، كما أنني ككاتبة أحمل مسؤولية نقل مقترحات المجتمع والرأي العام للمسؤولين وصنّاع القرار، وتقديم نقد بنّاء للقرارات العامة وتقييم أداء الحكومات وتقديم نصائح للمجتمع وتوعيته بالأمور التي تحتاج لتوعية في كل الامور الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا معظم مقالاتي تختص في الشأن المحلي، الشبابي، الاجتماعي، النفسي، الاعلامي، وحوادث الساعة العالمية، وقد أصدرت كتاباً عام 2016 ضم مجموعة قصصية تحاكي واقع وهموم المرأة الخليجية والعربية وتم توزيعه مع دار بلاتينيوم للنشر، ولدي مجموعة افكار لروايات أتمنى أن تجد النور قريباً لأن الكتابة القصصية والروائية تحتاج إلى وقت وإلى تركيز وإلى شغف ومزاج للغوص في عمق الشخصيات وتدوين الرواية ولا أريد الاستعجال في ذلك ليظهر العمل بشكل متكامل.
تحديات وعقبات
ماهي التحديات التي واجهتك عند اختيارك لهذا المجال؟
التحديات كثيرة في العمل الاعلامي، فطبيعة العمل في الاعلام سريعة جداً وتحتاج إلى مواكبة الأخبار أولا بأول بالإضافة إلى تغذية الفكر بالثقافة والمعلومات والدورات التدريبية وشبكة علاقات عامة ليكون إعلاميا ناجحا وصحفيا متكاملا، وهذا التحدي الذي كنت أواجهه مع نفسي دائماً كيف أُسلح نفسي بالعلم والمعرفة، ومازلت إلى الآن اتعلم وأواكب التطور في المجال الاعلامي وأساليبه، فالاعلام ليس وظيفة إدارية كما يعتقد البعض، الاعلامي يجب أن يمتلك مهارات القيادة لقيادة الفرق التي يعمل بها وهذا لا يكون باللهث وراء المناصب بقدر ما هو تكوين خبرات وعلاقات طيبة ومعرفة بأدق الأمور والتفاصيل في الاعلام مهما كان مجاله. وربما واجهتُ في التسعينات بعض التحديات الاجتماعية لدخولي المجال الاعلامي ( من خارج نطاق أسرتي الصغيرة) خاصة أنني كنتُ من أولى القطريات اللاتي عملن في قناة الجزيرة منذ انطلاقتها ومن المذيعات القليلات في بداية الألفينات، ولكن الحمدلله رسّخت نفسي في جذور قوية وحاربت بعملي واجتهادي وبدراستي الأكاديمية خاصة بعد حصولي على الماجستير في الاعلام والعلاقات العامة، واستطعت بفضل الله إثبات اسمي كإعلامية في الوسط الاعلامي المحلي والخليجي والعربي وأحاول دائماً تقديم نموذج مشرف عن الإعلامية القطرية المتعلمة وأن أُمثل بلدي أفضل تمثيل أينما كنت.
ماهي أهم المحطات في حياتك ومشوارك؟
كل محطة بدأت منها مشروعاً جديدًا كانت مهمة فالأولى مع الالتحاق بالعمل بقناة الجزيرة والتي اصبحت أهم وأكبر شبكة إعلامية وأفتخر بالعمل فيها منذ التأسيس، ومن ثم محطة إذاعة صوت الخليج والتي توسعت ووصل أثيرها إلى كل العالم عن طريق موقعها الإلكتروني وتميّزت ببرامجها وجلساتها الخاصة كذلك كانت لي وقفة مع انطلاقة قناة الريان الفضائية التي استمرت بنهجها المحلي المميز وأهم محطة قناة الجزيرة للأطفال عندما كانت عضوا في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع حيث شاركت في تأسيسها على قيم ومبادئ خاصة للطفل العربي وبتقنيات عالية تنافس قنوات الاطفال عالمياً، وبعدها برنامج «لكم القرار» البرنامج الأول محلياً وقتها، والذي كان يحاور الوزراء وصنّاع القرار في الدولة، ومحطة حصولي على الماجستير في الإعلام أيضاً كانت مهمة لانها أعطتني خبرة أكاديمية تفيدني في مجال عملي، وكذلك بالنسبة لأول كتاب أصدرته، ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً بدأت مرحلة مهمة وهي صناعة محتوى خاص بي عبر تلك الشبكات وتكوين قاعدة جماهيرية فيها، أعتز بكل المراحل في حياتي حتى المرحلة الذهبية التي أعيشها الان بعد تقاعدي وتفرغي لاعمالي الخاصة والكتابة والاستشارات الإعلامية فنتاج الخبرة طوال ال 25 سنة الماضية أقدمها للمقبلين على العمل الاعلامي بكل شفافية واحترافية.
جائزة المرأة العربية
فوزك بجائزة المرأة العربية ماذا اضاف لك ؟
حصلت على جائزة المرأة العربية في عام 2014 في وقت كنتُ بحاجة إلى دفعة معنوية وحافز يجعلني أقدم الأكثر وكنتُ على مشارف مناقشة رسالتي الماجستير، وشعرتُ بسعادة بالغة على حصولي عليها واعتبرتها تقدير لإنجازاتي التي فعلياً بدأت من 2002 واحترافي التقديم الاذاعي والكتابة، وفعلاً زادتني قوة وحماسا وإصرارا على مواصلة الإطلاع وبذل مزيد من الجهد في عملي لاكمل مشوار الإنجازات.
هل تعتقدين ان الاعلام تغير بظهور وسائل التواصل الاجتماعي.. وهل ممكن ان يستمر الاعلام الكلاسيكي ام هو الى زوال؟
كنتُ في مؤتمر الاعلاميات العربيات منذ أيام قليلة وكان متخصصا في الإعلام الرقمي وتأثيره على المجتمع وقدمت ورقة عمل تحدثت فيها عن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الاعلام التقليدي وكيف أنها فعلاً سحبت البساط من تحت وسائل الاعلام واستحوذت على اهتمام الصغار والكبار وكل الفئات واصبح التلفزيون مجرد ديكور في البيوت لأن الكل يعتمد على أجهزته الذكية في الترفيه واستقاء المعلومات ومتابعة الاخبار، وربما لا نتابع التلفزيون إلا في حالات معينة مثل حدث معين او خبر رسمي، ولهذا لجأت كثير من القنوات إلى شبكات التواصل الاجتماعي ووظفتها لما ينعش برامجها أو خصصت محتوى خاصا بها لتعيد الجمهور لها، وهذا ما يجب أن تقوم به كل الوسائل الاعلامية أن تواكب التطور والثورة التكنولوجية وتوظفها في مصلحتها وأن تخاطب الجمهور بأدواته الجديدة التي يميل لها وتعّود عليها حتى لا تفقده للأبد، خاصة أن الحسابات الاخبارية والاجتماعية وغيره متنوعة في شبكات التواصل الاجتماعي وكل حساب له اسلوبه وطريقة عرض للمحتوى مما يعطي مجالاً اوسع وأكثر تنوع تجاه المتابع.
بيئة العمل والإبداع
يعتمد اعداد المحتوى الاعلامي على الإبداع فكيف تكون بيئة العمل مُحفزة على العمل الإبداعي؟!
البيئة الاعلامية الصحية والتي تعتمد على التنافس الشريف والتي تُقدر المبدعين وتقدم لهم تسهيلات ودورات لتطوير أنفسهم هي البيئة التي سينتج منها مبدعون وبرامج إبداعية تحاكي الجمهور المستهدف، كما أن الإدارة الصحيحة للمؤسسات الاعلامية هي التي تُطور من أداء الموظفين وتواصل مسيرة النجاح لا التي تنسف كل ما هو ناجح وتبدا من الصفر فهنا تفقد الجمهور وتفقد الهوية، فنحن نعيش في مجتمع يعتمد على الهوية وكلما قتلت الهوية فقدت المتابعة، وما يجب فعله هو المحافظة على الهوية الأصلية للمحتوى مع تقديمها بوسائل وشكل متطور، والأهم الاستفادة من الخبرات والسماع لرأيهم خاصة عندما يكون المدراء أقل خبرة في المجال لأن التعالي على الخبرات واتخاذ القرارات التعسفية وتهميش الخبرات لا يخدم المؤسسة بقدر ما يساعد على هدمها ببطء ولهذا تتسرب معظم الكفاءات والمبدعين عندما ينصدمون بواقع الإدارة المركزية المتعسفة القرارات وقد يذهب البعض للعمل في جهات ليست إعلامية هروباً من أولئك المدراء المرضى والذين لا يستحقون مناصبهم أو أنهم سيتقدمون باستقالتهم أو تقاعدهم.
الإعلامي.. ومحاربة الفساد
عن طموحها المستقبلي قالت أمل عبدالملك إن الطموحات لا حدود لها ومتروكة للظروف ولله مع الاجتهاد بالتأكيد في تحقيقها.واستطردت: لكنني أتمنى أن يتمم الله علينا السلام والأمن والانجازات التي تعيشها قطر خاصة مع فعاليات كأس العالم والحلم الذي أخيراً أصبح حقيقة ولله الحمد، كما أتمنى أن يجتهد كل ممارس للإعلام على نفسه ويحصن نفسه بالثقة في النفس وبالمعرفة ويتحلى بالتواضع ويكون قائداً يسعى للمصلحة العامة، ويحارب الفساد ولا يهاب كلمة الحق وإذا كان في منصب يستطيع من خلاله مساعدة الناس فلا يتردد في مساعدتهم وأن ينصر الحق دائماً لأن المناصب زائلة وكل ما يتبقى السمعة والذكر الطيب، وهو الإرث الباقي للإنسان.
اقرأ ايضا